تتوقُ البرتقالةُ، كالإسفنجِ، أن تستعيدَ وجهها بعد تحمّلِ عذابِ التعبير. لكن الإسفنج ينجحُ دائماً، ولا تنجح البرتقالة؛ فخلاياها تنفجرُ، ونسيجُها يتمزّقُ. بينما تستعيدُ القشرةُ وحدها رخاوةَ شكلها، فشكراً لمرونتها، ينزّ منها سائلُها الكهرمان، مصحوباً كما نعلمُ بانتعاشٍ حلوٍ، شذا حلوٍ، لكن أيضاً بوعيٍ لاذعٍ من طردِ بذورها قبلَ الأوانِ.
أيجب على المرءِ أن يتّخذ موقفاً بين هاتين الطريقتَين البائستَين لتحمُّلِ الظلمِ؟ الإسفنجُ مجرّد عضلةٍ مفعَمة بالهواءِ، بماءٍ وَسِخٍ أو نظيف، أياً كانَ: فهو تدريبٌ وضيع. للبرتقالة طعمٌ أفضلَ، لكنهُ سلبيٌّ للغاية ـ وهذهِ التضحيةُ العَطِرة فيها من الرقّة ما يُعجز الجائرَ.
مجرّدُ استدعاءِ مسلكِها الفرديّ عموماً في تعطير الجوّ وإدخال السرور على معذّبها، لا يحكي كفايةً عن البرتقالةِ. على المرء أن يؤكّد اللونَ الماجدَ للسائلِ الناشئ، الذي يجعلُ الحلقَ منفتحاً، أكثرَ من عصيرِ الليمونِ، على وسعهِ، كي يلفِظَ الكِلمةَ ويهضمَ العصيرَ من دون لَيّ قسماتِ الفمِ ممروراً أو رفعِ حُليمات اللسان.
ويبقى المرء ساكتاً كي يعلنَ إعجابَه المستحقّ لتغطيةِ الكرةِ البيضاويّةِ العنّابيةِ الهشّةِ الرقيقة بتلك النشّافةِ الرطبةِ الكثيفةِ، فهي نحيلةٌ للغايةِ لكن جلدَها مصطبغٌ بدرجةٍ عالية، حلوٌ ومُرّ، متفاوتٌ كفايةً ليصيدَ النورَ بجدارةٍ على شكلِ ثمرتها البالغِ حدّ الكمالِ.
في نهايةِ هذهِ الدراسةِ المقتَضَبة، التي أجريتُها على نحوٍ متّصلٍ قدرَ الممكن، على المرءِ أن يهبط إلى البذرةِ. البذرة التي في شكلِ ليمونةٍ مصغّرة، من لونِ اللّحاءِ الأبيضِ بشجرةِ الليمون من ظاهرِها، ومن باطنِها أخضرُ البازلاّءِ أو البرعمُ اللّين. ضمنَ هذه البذرةِ التي يجدها المرءُ ـ بعد انفجارِ مصباحِ الورقِ الصينيّ حسياً من النكهاتِ والألوانِ والعطورِ التي هي الكرةُ المثمرةُ ذاتُها ـ الخضرةُ والصلابةُ النسبيّةُ (ليسَت عديمةَ الطعمِ كلياً، أقولُ مصادفةً) للشجرةِ، للغصنِ، للورقةِ؛ هي باختصارٍ، وإن كانَ مُخِلاًّ، غرضُ الثمرةِ الجوهريّ.