الرئيسية » » شوراع نيويورك تكبر بالعتمة | انتصار دوليب

شوراع نيويورك تكبر بالعتمة | انتصار دوليب

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 13 أغسطس 2014 | 7:39 ص

شوراع نيويورك تكبر بالعتمة, هكذا كنت أراها وأنا أعود إلى الفندق كل ليلة مُرهقة كخرقة وحيدة في مطعم تيلسينجو دي فيل المكسيكي المُحتدم. شيء مهموس بين ظلي وقامتي كان يرافقني كوحدتي, شيء تتذبذب له روحك فقط كان يمضي معي, الشيء الذي أحببتني لأجله والذي يتسع فقط تحت إضاءة الشوارع الهالكة, أتحرك به كلهب قصير كافٍ لتأمل شقوق المدينة وما دسه الغرباء فيها, الكائنات التي لم تعد بعد أن تركت لنا غموضها المُرّ وأسرارها الملأى بالرمال. أنا مضطربة أكثر من ظلي على الماء الذي تتشربه الشوارع ولا تنقذه المصابيح الفانية. العتمة كاملة في الطرقات وفي روحي المُبلّطة بالمساء, وتكاد تكتمل في النوافذ المشدوهة بعيونها الصفراء المريضة التي تكتفي بالبحلقة المخيفة في المارّة بدلا عن الصراخ الرتيب الذي لم تعد تستطيعه. بين المارة المُعلّبين في أوجاعهم أشتهي أن أعرف وأدرك أنني سأموت بدون أن أدرك. لا حق لي في أحاديثهم وشوارعهم وأشجارهم والأسرار التي ربما تسكن زيزفون نيويورك لكنني لا أقترب, لن أُرهق أكثر ولن أُمزق الورقة, سأمضي كشيء بسيط على الأسود المُخطط بالأسود, بين الشقوق التي يتساقط فيها الموتى بهدوء ويتكاثرون كجوعي إليك وإليهم. لا ضجيج يشوش وجودك فيّ, أنا أمضي في طرقات المدينة لكنها طرقات أخرى, تتقشر على روحي الوحيدة الصامتة, عيناي أكبر من العالم وجديلتي أكثر طولاً من أنهارها, لكنني معزولة في معطفي بالغ السواد وأرتجف كطائر مغلوب في مركز الريح والبرد. أنا أتجول بهذه المدينة كضياء تائه من سراج بائس, كخطيئة..أحتاج إلى فراشٍ قاسٍ أسقط عليه وأتهدم كماء, ربما أبرق لك من بعيد.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.