الكمان
====
أعشقُ العودَ
فيسري في دمـِيَ الكمانُ
تَنسلـِّين من بين اللحم ِ و العظام ِ راحلة ً
فأسقطُ في جـُبِّ الوحدة ِ
تبكين الفراقَ و أبكي الرحيلَ
كأن يدينا بريئتانِ من تمزيق ِ جسر السوليفان ِ بيننا
كلانا ستارٌ ممزقٌ علي نافذة ٍ قديمة ٍ
ينبعثُ منها نحيبٌ مبحوحٌ
لكمان ٍ ملَّ من طول ِ عزف ِ العازفينَ
أرهقـَهُ موتُ الأصابع ِ علي القوس ِ و العنق ِ
لولا رجعُ الصوت ِ في الصندوق ِ
لانفلتُ من الفرقة ِ مقاتلا سامعيه ِ الموتي
و نحن علي قنطرة ِ الأوتار ِ نرقصُ
تـُعزِّينا الألحانُ
و تسجلُ النوتاتُ تاريخنا
اقرئي صفحتـَه الأولي :
يا جليسَ نفسِهِ
بها يأتـَنـِسُ من الوحدة ِ
هل قطعَ الكمانُ وحدتـَكما
أم مرَّ بكما كحارس ٍ ليليٍّ
يتعسسُ في شوارع ِ النغم ِ
يطاردُ النشازَ
يأخذُ الوحيدين من أيديهم
يعزفُ لهم ذكريات ِ الراحلينَ
فيذوبونَ في أفواه ِ الجُوقةِ آهات ٍ
تتضافرُ الآلاتُ لتسندَها ...
الوحيدونَ يـَرهبونَ عصا المايسترو إذ تلوِّحُ
الجمهورُ يا سيدي لا يري الوحيدينَ
لكن الراحلينَ ينتظرونَ قدومَهم
وحدَه الكمانُ يصحبـُنا
في رحيلـِنا إلي الراحلينَ
وحدَه الكمانُ يطحنُ آلامَنا
ما بين القوس ِ و الأوتار ِ
يديرُ مفاتـَحَهُ ليزدادَ الصريرُ حدة ً
فنبكيَ
و يحضرُ الراحلونَ فينا
يلوِّحُ الكمانُ لأطيافـِهم
فترتعشُ أجسادُنا و نعانقـُهُ
وحدَنا نحن للكمان ِ
و الكمانُ لنا
لكن الجمهورَ لا يعي
ربما يغنينا الكمانُ
عن صور ِ الراحلينَ
و صور ِ الحزن ِ المعتاد ِ ...
فريدٌ هو الكمانُ حين يجعلُنا فريدينَ
فنكفُّ عن ملاحقةِ أنفسـِنا
مكتفينَ بالتماهي فيه
يكمنُ جنونـُنُا خلفَ الكمان ِ
و هو المسئولُ طـَوعا عما نحن فيه
فلتذبحْنا أوتارُهُ
كي يترددَ الصدي في صندوقـِه ِ
أما قوسُهُ الطويلُ
فسوف يمسحُ ظهرَنا برفق ِ أم ٍّ
و يربتُ علي كتـِفـينا
كما يفعلُ رجلٌ رحيمٌ
مع الطفل ِ اليتيم ِ
فيشيرُ المايسترو للفرقة ِ
كي تكملَ المعزوفةَ
ثم يصفقُ الحضورُ بحرارة ٍ منبهرينَ
و ينصرفونَ
و نبقي نحن مع الكمان ِ
في غرفةِ الآلات ِ
حتي بعد رحيل ِ العازفين .